القائد أبو شرار الموسوي.. مسيرة بدايتها جهاد وختامها شهادة
لم تكن صدفة ان يتزامن تاريخ استشهاد القائد الكبير أبو شرار الموسوي مع فك الحصار عن مدينة آمرلي الصمود التي قاومت فلول “داعش” الإرهابي وعدة اشهر وبقيت عصية على الانكسار، ففي مثل هذا اليوم ارتقى رجل عاش الشهادة من ريعان الشباب حتى تحققت له هذه الأمنية صابرا محتسبا.
الموسوي يخط لنفسه طريق الجهاد
في ناحية (عتبة) بمحافظة البصرة ولد المجاهد القائد السيد نوفل إبراهيم في عائلة عرفت بالتدين، تحمل نسب رسول الله. أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في ناحيته، وانتقل الى إعدادية الصناعة في قضاء الزبير، وما ان أكمل عامه الـ (21) حتى انطلقت شرارة الانتفاضة المباركة، فكانت تلك الشرارة سبباً في توقد روح الجهاد في قلب هذا الرجل الذي أختار الجهاد طريقاً ومنهجاً.
أنتفض السيد نوفل مع المجاهدين، ووقف بكل شجاعة بوجه الطاغوت إبّان الانتفاضة الشعبانية المباركة, والتي هاجر على اثرها والتحق بصفوف قوات بدر، وكان من المجاهدين الأوفياء والخُلّص, اشترك في عمليات الأهوار عام 1992م ضمن قاطع (العمارة ـ البصرة) التابع لفرقة محمد رسول الله، كما وشارك في تلك الفترات بمعارك (ذي قار) وبعد ذلك أنتقل للعمل في كردستان ضمن مجموعات المجاهدين المتواجدة هناك، وعلى خط التماس مع الزمرة البعثية المجرمة في مناطق (السليمانية، وكركوك، وكفري، وديالى) فكانت بصمات عمله وجهاده وإخلاصه واضحة خلال فترة تواجده وجهاده في تلك المناطق.
جهاد مستمر بعد سقوط الطاغوت
بعد سقوط النظام العفلقي المباد، ودخول قوات الاحتلال الى أرض الوطن، عاد الشهيد الى مدينة البصرة، واستمر بعمله الجهادي ولكن هذه المرة كانت المقاومة متجهة نحو قوات الاحتلال التي دنست أرض العراق، فكان من أوائل المجاهدين المقارعين للاحتلال الأمريكي، وحتى خروجه من البلاد.
وعندما بدأت قوى الشر التكفيري بالتحرك في سوريا، وكان من أبرز اهدافها استهداف المرقد المبارك للسيدة زينب (ع) وكذلك التعدي على المسلمين الموالين لأهل البيت (ع)، بادر السيد نوفل الموسوي بالذهاب الى سوريا مهاجراً مجاهداً وهو يردد شعار “لن تُسبى عمتي زينب مرتين” ولم يكتفِ بالذهاب مرة واحدة، بل كرر الذهاب أربع مرات الى هناك؛ لأجل أداء تكليفه الجهادي في حماية المرقد الطاهر للسيدة زينب (ع).
تلبية نداء المرجعية الدينية بالجهاد
وبعد أن سقطت اجزاء من الوطن بيد الدواعش، واصدرت المرجعية الدينية الفتوى المباركة كان من ضمن الأوائل الذين لبوا ذلك النداء، وتصدوا لمواجهة الدواعش، وحينما طلب منه أبن عمه أن يستريح قائلا له: “أما آن لك ان ترتاح بعد مسير جهادي استمر لـ 25 عاماً، فغضب من السؤال وأجابه قائلاً: (الآن الفتوى عززت موقفنا، واعطتنا حماساً أكثر، وإذا لم نذهب لقتال الدواعش فإنهم سوف يأتون الينا وينتهكون أعراضنا).
عُيّنَ قائداً لمعارك ديالى، وأشرف على تحرير ناحية العظيم والمناطق والقرى المجاورة لها، وكان شجاعاً لا يهاب الموت، وكان يردد دائماً تلك المقولة التي اعتاد الجميع على سماعها منه وهي: (كيف يخاف الرجل؟) فلم يعرف للخوف معنى.
بعد تحرير العظيم واستتباب الأمن هناك عاد الى مدينته البصرة آخذاً إجازة لمدة (عشرة أيام)، ولكنه كان يحمل في قلبه همّاً يتمثل بالحصار المفروض على المدنيين في منطقة آمرلي، فكان يُحَدّث كل من يلتقيه عن مظلومية آمرلي والمدنيين هناك، وما أن سمع بإقتراب عمليات فك الحصار على آمرلي حتى قطع إجازته تلك وغادر أهله مودعاً إياهم للمشاركة في تلك العمليات المباركة.
كان من قادة تلك المعركة ضمن اللواء الثالث – الحشد الشعبي, والذي سُمي فيما بعد بأسم (لواء أسد آمرلي)، حيث أطلق هذا اللقب عليه، للدور الكبير الذي قام به في عمليات فك الحصار عنها.
في ليلة أنطلاق العمليات اتصل على عائلته فكلم زوجته، وبدأ يوصيها بـ (أبنائه الثلاثة وابنتيه)، وبعد ان أكمل حديثه معها وودعها، تحدث الى أخيه السيد مصطفى وقال له: (أرجو ان تنشروا الحلوى على جثماني) بعدها خرج لاستطلاع المنطقة، وهناك انفجرت عبوة ناسفة على قوة الاستطلاع واصيب الشهيد أبو شرار، وعلى أثرها نقل الى المستشفى، ولكنه رفض البقاء هناك وقال: (أبو شرار لا يرقد في المستشفى).
شهادة صنعت نصرا
خرج من المستشفى ليقود في صبيحة تلك الليلة أحدى اصعب وأهم المحاور في عمليات فك الحصار عن آمرلي، وأثناء تقدم القوات انفجرت عبوة ناسفة على سيارته, فأصيب مرة أخرى، ولكنه رفض الرجوع، وبقي يقود المعركة وهو مصاب, وأثناء تقدمه لتنفيذ واجبه وهو تحرير منطقة (سليمان بيك) المعروفة بقوة تمركز الارهاب فيها, وبسبب كثافة النيران وخصوصاً القناصة تباطأت حركة القوات في التقدم, فما كان من الشهيد إلا ان يخلع درعه، وينزع قميصه ويتقدم أمام القوات بصدر مكشوف في موقف بطولي، فتحفزت القوات وارتفعت معنوياتها وتقدمت بكل قوة مما أدى الى فرار العدو الداعشي وانهزامه خاسئا ذليلاً.
فكان لابد وان يتحقق النصر كنتيجة حتمية لهذا التفاني والإخلاص، لكنه كان نصراً غالياً مضمخاً بدم السيد أبي شرار الموسوي الذي اخترقت صدره رصاصة قناص غادرة، عرجت على أثرها تلك الروح الطاهرة الى الملكوت الاعلى راضية مرضية، حيث استشهد في مثل اليوم 31 اب من عام 2014.